سموم
الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية .
اسم
الكاتب: أنور الجندي .
اسم
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي للطباعة والنشر .
ـــــــــــــــــــــ
تكمن أهمية الكتاب
الذي بين أيدينا في أنه يكشف عن المخططات الإلحادية التي استهدفت الإساءة للإسلام ,
وتقويض المجتمع المسلم , وتشويه البطولات الإسلامية , ووضع مفاهيم كثيرة على أنها
إسلامية وهي غير صحيحة , إلى غير ذلك مما تزخر به بعض الكتب الاستشراقية .
و يبرز الكاتب
محاولة المستشرقين الغربيين تشويه صورة الإسلام من خلال إبراز نقاط الضعف فيه ,
وإغفال نقاط القوة , فقد وضعوا في مؤلفاتهم أباطيل كثيرة , كالقول بأن لليهود في
فلسطين آثار وتاريخ , وبأن العرب كانوا يعيشون مرحلة انحطاط حتى جاءت الحملة
الفرنسية فنهضت بهم , والزعم بأن الفكر الإسلامي يستمد مقوماته من الفلسفة
اليونانية , وغيرها الكثير من هذا القبيل .
وقد حرص المؤلف
على أن يقدم للقارئ المسلم نماذج من الكتب الخداعة الزائفة , التي تثير الريب حول
الإسلام , وهي منتشرة ومشهورة بسبب تسليط الضوء عليها دائما في وسائل الإعلام , على
أنها مراجع في أبوابها واختصاصاتها .
ومن أمثلة هذه
الكتب : كتاب الأغاني الذي لا يعدو كونه رسما لصورة أهل الغناء والسفه واللهو , و
كتاب ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة , وهما كتابان هنديان فارسيان في الأصل , أضيف
إليهما بعض الأساطير والخرافات , وكتاب الإمامة والسياسة الكتاب اللقيط مجهول النسب
كما وصفه السيد محب الدين الخطيب , والمنسوب (لابن قتيبة) وهو بريء منه , و كذلك
كتاب المضنون به على غير أهله , والمنسوب كذبا للغزالي .
أما كتاب : رسائل
إخوان الصفا , فهم في الحقيقة جمعية سرية باطنية , ظهروا في القرن الرابع الهجري
بالبصرة , تكونت من المجوس والزنادقة والحاقدين على الإسلام , ولهم صلتهم المريبة
بالحركات السرية التي عملت على تقويض المجتمع الإسلامي , وبخطورة هذا الكتاب بالذات
ينهي الكاتب الفصل الأول من كتابه , والذي عنونه : أخطار المراجع الزائفة .
وفي الفصل الثاني
يورد المؤلف التحفظات على كتاب دائرة المعارف الإسلامية , والمنجد والموسوعة
العربية الميسرة , والتي كتبت لهدف واضح , هو تغريب الفكر الإسلامي وتزييف مفاهيمه
, وإثارة الشبهات حول حقائقه .
ويتمثل هذا الخطر
في عدد من دوائر المعارف التي نجدها بين أيدينا , في كل المكتبات العامة والجامعية
, ميسرة في أيدي الشباب في كل وقت , وهي في الحقيقة مسمومة في كثير من موادها ,
وتفتقر إلى المفهوم الصحيح الذي يمثله الإسلام , وقد أشار العلامة فريد وجدي إلى
ظاهرة خطيرة في هذه الموسوعوات , ألا وهي سيطرة البدع الدخيلة في الإسلام على مواد
الموسوعات , حتى ليظن القارئ أنها من أصول الإسلام وثوابته .
وفي قاموس المنجد
(معجم الآداب) إعداد فردنيال توتل , وهو قاموس حافل بالأخطاء والشبهات , والذي عرض
له العديد من الباحثين , وفي مقدمتهم العلامة عبد الله كنون , الذي عرض أكثر من 400
خطأ تاريخي وعلمي فيه .
وتكمن الخطورة
الكبرى في أمثال هذه الكتب , أن شباب المسلمين يقرؤون هذه الكتب على أنها فكر
إسلامي خالص , ومراجع علمية أو تاريخية أو أدبية أوفلسفية إسلامية , وأنها جديرة
بالقراءة والاهتمام أكثر من غيرها , وقد قام المؤلف – جزاه الله خيرا – بتفنيد هذه
الكتب , وبيان ما فيها من شبهات وأكاذيب وسموم , لا بد أن يتحاشاها المسلمون .
في الفصل الثالث
يعرض الكاتب لخطر تفسير التاريخ الإسلامي بمقاييس مادية وافدة , مما يطلق عليه :
(التفسير المادي للتاريخ) والذي يعتبر تاريخ البشرية تاريخ للبحث عن الطعام , وأنه
لا يوجد فيه قيم أصيلة أساسها الدين أو الأخلاق أو التقاليد , ويتجاهل الجانب
المعنوي والقوى الذاتية للشعوب تجاهلا تاما , ومن أبرز نماذج من فسورا التاريخ
تفسيرا ماديا : النصارى والهندوكية والمادية الجدلية .
لقد حاول الغرب
تقديم تفسير مغلوط لوقائع كثيرة في التاريخ الإسلامي الحديث المعاصر , فصوروا عصر
ما قبل العصر الحديث بأنه عصر الانحطاط , و صوروا حركات التبشير للسيطرة على بعض
الدول الإفريقية واحتلالها على أنه نوع من الكشف الجغرافي العلمي , كما ادعوا كذبا
أن المسلمين هم من أحرقوا مكتبة الاسكندرية , بينما الحقيقة أنها أحرقت قبل الإسلام
بمئتي عام .
كما حاول الكتاب
الغربيون أيضا تصوير بعض الأحداث في التاريخ الغربي المعاصر بصورة تتعارض مع صورتها
الحقيقية , فصوروا الماسونية (الحركة اليهودية الاستعمارية الخبيثة) على أنها حركة
تحرير , لخداع المسلمين في الدخول والانتساب إليها , كما صوروا الثورة الفرنسية على
أنها حركة إخاء وحرية ومساواة , وهي في الحقيقة ثورة على الدين , وإحلال الوطن بدلا
عنه , حتى أعلن كمال أتاتورك نفس الشعار لحركته الانقلابية ضد الخلافة الإسلامية ,
وكل ذلك في الفصل الرابع من الكتاب .
في الفصل الخامس
من الكتاب أثار الكاتب قضايا مهمة في ضوء التفسير الإسلامي للتاريخ , فرد على كثير
من الشبهات والأكاذيب المثارة في هذا الإطار , كوصف حركة القرامطة الباطنية
المعادية للإسلام , بأنها حركة عدل اجتماعي في الإسلام , كما أشار لذلك طه حسين في
مجلة (الكاتب المصري) , ورد كذلك على وصف ثورة الزنج بأنها حركة تقدمية ثورية ,
بينما هي في الحقيقة ثورة على الإسلام ومبادئه وثوابته , وعمل قذر لهدم كيانه
وتقويض أركانه .
كما رد الكاتب على
دعوى أن الإسلام أراد إقامة حكومة دينية (ثيوقراطية) , بينما الحقيقة أن الإسلام لم
يقم دولة دينية على المفهوم الذي عرفه البابوات في حكمهم لأوربا , فالدولة
الإسلامية تجعل المواطنين جميعا متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات , ولكل
منهم حرية العبادة والدين .
كما رد الكاتب على
مفهوم الفتح الإسلامي التاريخي , ومفهوم البطولة الإسلامية .
في الفصل السادس
يتحدث الكاتب عن التحفظات الإسلامية على مناهج دراسة العلوم الكونية , فمنهج دراسة
العلوم في كليات الطب والعلوم وغيرها فيه نقص وانحراف عن المنهج الإسلامي , أما
النقص فهو العجز الواضح عن (تأصيل المناهج) بإثبات دور المسلمين وأسبقيتهم في بناء
العلوم وتقديم المنهج التجريبي , وأما الانحراف فهو في اعتبار فروض ونظريات دارون
ولامارك حقائق مسلم بها , خاصة في مسألة خلق الكون والإنسان , بينما الحقيقة أن
العلم لم يستطع أن يصل في شأنها إلى أي شيء .
في الفصل السابع
من الكتاب , يطرق المؤلف باب مناهج الإسلام في العلوم السياسية والفكر السياسي
الإسلامي , فهي للأسف تدرس في الجامعات دراسة غربية خالصة , بينما الحقيقة أن
الإسلام دين ودولة , وهو سباق في هذا المجال من خلال السياسة الشرعية المعروفة ,
ويبين المؤلف الفوارق العميقة والجوهرية بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية
.
واستكمالا للكلام
السابق , يأتي المؤلف بالفصل الثامن ليتناول القانون الوضعي في مقابل الشريعة
الإسلامية الغراء , مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في مناهج القانون والاقتصاد
والسياسة والتربية والتاريخ , لتحريرها من التبعية , وكشف وجوه أصالة الفكر
الإسلامي فيها , لتعود الأمة الإسلامية إلى منابعها الأصلية , التي تحقق لها امتلاك
الإرادة والتمكين في الأرض , والقدرة على دفع غزوات الصهيونية والشيوعية
والاستعمارية الغربية .
ولا يغفل المؤلف
ملف التعليم في البلاد الإسلامية , والذي تعرض لحملة تغريب عنيفة , أدت إلى القضاء
على الذاتية الإسلامية المتسمة بأخلاقها وإيمانها بالله تعالى , كما قضت على
الفصاحة العربية المستقاة من القرآن والسنة , إضافة إلى القضاء على الإحساس بعظمة
العطاء الحضاري المتميز الذي قدمته الأمة الإسلامية للبشرية , مما يستدعي وبشكل
عاجل , التحول بالتعليم في البلاد الإسلامية , من علمانيته إلى إسلاميته , والذي
جعله المؤلف في الفصل التاسع .
في الفصل العاشر
يعلن المؤلف حقيقة ولادة علم الاجتماع من رحم المدرسة الإسلامية , وذلك من خلال
العودة للتاريخ الإسلامي الذي يثبت ذلك , على أيد إسلامية كابن خلدون في مقدمته , و
الدكتور مصطفى محمد حسنين في كتابه : ( نحو علم اجتماع إسلامي) مطالبا المسلمين
القيام بتأصيل العلوم باستمدادها من منابعها الإسلامية , بعد أن عاشوا خلال فترة
طويلة يتعلمون ويطبقون مناهج وافدة غريبة عن بيئتهم وعقيدتهم .
وفي الفصل الحادي
عشر يستعرض المؤلف الدراسات الحديثة في النفس والأخلاق , والتي تقوم الجامعات في
العالم الإسلامي بتقديمها للشباب المسلم , من خلال مجموعات من النظريات الفكرية
الغربية , والتي هي في الحقيقة تمثل التحديات التي يواجهها المجتمع الأوربي
والأمريكي في العصر الحديث , ولا تمثل أبدا تحديات المجتمع الإسلامي , ولا النظرة
الإسلامية في هذه المسائل والقضايا .
في الفصل الثاني
عشر ينتقد المؤلف فكرة غربية في غاية الخبث والكذب , مفادها أن مفهوم (الحضارة)
المطروح في مناهج الدراسات الجامعية , يدور كله في فلك الحضارة الغربية , ويقوم على
مجموعة من المسلمات التي يراد فرضها على العقلية الإسلامية , على نحو يخلق تبعية
عقلية واجتماعية , وتفترض المسلمات القول : بأن هناك حضارة واحدة عرفتها البشرية ,
بدأت من أرض اليونان وانتهت اليوم بالحضارة الغربية , وكل حضارة ظهرت بين ذلك هي في
الحقيقة امتداد وجزء منها , وأن الحضارة الإسلامية ما هي إلا رافد من روافد تلك
الحضارة , فشتان في الميزان بين حضارة التوحيد وحضارة الوثنية .
ويعرض المؤلف في
الفصل الثالث عشر النظام الإقتصادي الإسلامي في مواجهة النظام الرأسمالي , وهو
النظام الاقتصادي الذي يدرس لشبابنا وبناتنا , وكأن آدم سميث وجون ستوارث مل هما
المنطلق الوحيد لفهم الاقتصاد العالمي , بينما يجهل شبابنا كل ما يتصل بالمفهوم
الإسلامي للاقتصاد , الذي كان له قدم السبق في هذا الميدان , عبر كتاب الخراج لأبي
يوسف , منذ منتصف القرن الثاني الهجري .
ويتابع المؤلف في
الفصل الرابع عشر المواجهة بين النظام الاقتصادي الإسلامي والنظام الاشتراكي
الشيوعي , الذي قام على أفكار ماركس وإنجلز , معتبرا الماركسية متممة لدور
الرأسمالية في مواجهة النظام الاقتصادي الإسلامي , وأن الماركسية ما هي إلا ردة فعل
عن الرأسمالية الغربية .
وفي الفصل الخامس
عشر والأخير , يرد المؤلف على دعوى خضوع الفكر الإسلامي للفكر اليوناني , وأنه مصدر
الفلسفة العربية , كما يرد على دعوى القول بأن المسلمين أخذوا الفلسفة اليونانية
وبنوا عليها مفاهيم ومصطلحات في الفقه والنحو والبلاغة , تلك الدعاوى التي روج لها
أتباع الغرب من المسلمين , من أمثال طه حسين ولطفي السيد .
ويختم المؤلف
كتابه بعبارة مختصرة : وهكذا تبين الرشد من الغي وسقط منهج الاستشراق .
الكتاب بحق موسوعي
في بابه , جمع فيه الكاتب أباطيل ودسائس وسموم المستشرقين الغربيين وأذنابهم في
العالم الإسلامي , في مختلف المجالات التعلمية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية
والفكرية والثقافية واللغوية والأدبية , مع ضرب الأمثلة على ذلك , مما أثرى قيمة
الكتاب العلمية والفكرية , وجعله كتابا دسما مليئا بالمعلومات والملاحظات المهة
لطالب العلم والباحث والمفكر الإسلامي .
ولذلك أنصح بقراءة
الكتاب كاملا , وعدم الاكتفاء بهذه القراءة ؛ لأنها في
الحقيقة لا تغني عما احتوى الكتاب من كنوز وجواهر.